لم تكن تصادفه ، إلا عند ركوب الحافلة أو تقاطع الشارع،
يمر إزاءها وكأنه نوع من الأشباح ، وكأن عينيه لا تبصران شيئا ،
ليست له شيئا ، وليس لها شيئا ، هولا يعرفها ، وهي لا تعرفه ، ربما كانت بالنسبة له سحابة بعيدة ، غير مرئية ،لكن مجرد مروره قربها كان يقلب كل مشاعرها ، ويجعلها تضطرب كنيران بركان...
في البيت القديم ، في الأحراش، كانت متجمدة على سريرها من الخوف والرعب،
ماذا ؟ هل هي القوارض اللعينة التي تأتي من الحقول المجاورة إلى البيت هي التي تحدث هذه الجلبة وهذا الضجيج ؟
أحست بأنفاسها تتقطع وحرارة تعتري جسدها ورعدة تنتابها وهي ترى واحدة من القوارض تقترب من سريرها ، وقد نبت لها منقار...
داس عقب السيجارة تحت قدميه في حركة دائرية ، وعاد الصمت المترقب من جديد ، ليكتسي بسكون مظلم ويلتف بغشاء ضبابي ، مثير.
قتلا للوقت أخذ يوسف يذرع الغرفة جيئة وذهابا ، عاقدا يديه وراء ظهره مرة ، تاركا إياهما إلى جانبيه مرة أخرى ، وفي رأسه تتأرجح أفكار كثيرة ، توقعات ، أحاسيس ، والسكون يمر على جدران...
أحب ركوب الحافلة ، خاصة عندما تكون المسافة التي ستقطعها طويلة ، أحب ركني القصي في الخلف ، خاصة لما لا يكون هناك عدد كبير من الراكبين ،
أحب ألا يكلمني أحد، ولا أحد يتجرأ أن يكسر الهدوء حولي .
عندما أجلس ، كل شيء يتوقف عن الدوران ،
أفصل نفسي عن العالم حولي ، أحس أنني أنزلق على الطريق وأنني...