محمد فائد البكري

هذا الذي أمامك ويشغل حيزا من التيه هذا الذي ينظر إليك كأنك الحياة هذا الذي يبتسم للكلمات التي تركض الآن بين غيمتين هذا الذي جلس ليضع ظله تحت قدميك هذا الرجل ليس أنا هذا هو اللاوعي الذي تمسكين بمفاتيحه وتتركين غيابك يعبث بأنينه، وهو يجرب أن يغلقه على الماضي بإحكام. هذا اللاوعي الذي تتركينه مواربا...
أحمل اسمي منذ ثلاثين عاما ولا أعرف كيف أضعه. تعبت له، قبل أن أتعب لنفسي. كثيرون أكون أحدهم أحيانا لا يعرفون اسمي، وليس لديهم قدرة الإحالة على ظلي، أبدو أمامهم معنىًً ما. زمنا يمشي، أو فكرة قديمة عن الشيء لكنهم بمجرد أن يعرفوا اسمي يبدأون في إلقاء شِباك الخيال ويبدأ الموت في تتبع جسدي! لو لم أكن...
بهدوءٍ صار رجلا آخر صار رجلا إلى ما لانهاية لن يخاف بعد الآن من نقصان الذات لن يعبأ بتآكل ظله لن ينزعج من الوشايات أو ارتفاع الأسعار ولن يضطر للتصفيق لأي أحد ابتسامته ستظل نظيفة وأنيقة لن يشكو من نقصان رجولته أو عطب الأحلام ولن ينظر إلى الخلف ليسمي تلك الخيبات ذكريات أو أيام الصبا رعاها الله...
كل الموتى في العادة يتركون أحزانهم تركةً لذويهم إلا الرجل الذي استعار اسما أكبر من مقاس اللاشيء فقد أخذ معه من الهباء ما يكفي لتسعة أجيال من الموتى وكتب على شاهد قبره خمسة ألقاب قديمة كلها غير صالحة للانتخابات القادمة.
كل ديكٍ يعرف لعنة الليل. الديك الذي يصرخ خوفا من اليوم القادم الديك الذي لم يتعلّم كيف يبيع صوته يعرف أنه خطيب الطبيعة الأول. ويعرف أيضا أن المسافة بين الذات والآخر مسافة الصدى. الديك أعظم منبّه اخترعته الطبيعة وضبطته على التوقيت الرسمي للحلم بيومٍ جديد. الديك أول من أطلق صرخَة احتجاجٍ على الضوء...
هذا الحلم بلا تأمينٍ صحي الكون بركة آسنة جثثٌ طافيةٌ نحن نغرق في مستنقع اللاشيء. الشاشات تغرق في دماء المغلوبين على أمرهم أخاف يا الله من نفسي! أخاف من الطلقات الطائشة في أفلام الأكشن أخاف من الراية التي ترفرف وحيدة على حافة المرفأ. أخاف من أصدقاء الله وأنصاره. أخاف من فلاسفة الخرابة أخاف من...
أنا وأنت من مجرةٍ واحدة وبيننا كلماتٌ كثيرة تكفي لنصنع منها حبا وذكرياتٍ وبيتا دافئا وسياجا يحمي أحلامنا من الملل ويحمي المجرة من أعداء الحلم أنا وأنت نستطيع أن نظل في هذه المجرة بقوة الأمل ونستطيع أن نغادرها أيضا المشكلة في تلك اللحظة التي تصبح فيها المجرة مأهولة بالألم واللاشيء والندم والأرق...
تريدين وقتا كثيرا يحبك باسمي أحبك من أول الآن من أول السطر حتى نهاية هذا الذي يتكدس بيني وبينك من كبرياء الهواء ومن ذكريات المسافات وهي تعود إلى البيت ليس لها من مساءٍ ينام وليس لها من إلهٍ وكل نداءٍ يمزق حكمته باتجاه اليمن. أخاف ارتداد الصدى في الجهات أخاف تبعثر هذا الحنين إليك وأنت هناك تعيشين...
هذه الليلة الألف بتوقيت الله. أحاول فيها أن ألتقط صورةً لما تبقى مني في هذا الجسد. أحاول أن أبتسم للماضي نكاية بالنسيان. هنا. أقف الآن بين صورتك التي تضحك على كل شيء وظلي الذي يقف مصلوبا على الحائط. شكرا، جسدي! وقفت معي كما يليق بالحزن أن يقف مع نفسه بعد الوداع. وكما تقف الدمعة في مواجهة الندم...
بالأمس كان ظلي وحيدا اليوم ألتقيتُ به واخذنا صورنا جماعية. وقررت نشرها على الفيس بوك لتثبيت حالة اللقاء التي لاتتكرر الإخوة الفيسبوكيون المحترمون لا تضغطوا على زر الألم في الصورة لا أحب وجع اللايكات كل شيء أحببته صار أيقونة يأس!
يا الله يا إله الوطنيين جدا! يا إله همزة الوصل! يا إله حروف التسويف! يا إله أمي وجدتي! وإله أبي أيضا. يا إله المغلوبين على أمرهم أمي ليست وحدها المسؤولة عن هذا الخراب، هذه الكلمة التي يسمونها أمي ؛ لم تولد من الأسى دفعةً واحدة ؛ ولم تغدُ قاسية الخيال دفعةً واحدة، شيءٌ ما حدث يا الله لتكبر أمي...
لاشيء هنا مازلتُ هناك حيث نفتني أمي من جسدها وتركتني وحيدا في مواجهة كل هذا الهباء مازلت هناك حيث أبحث عن وطنٍ في كل هذا العالم مازلتُ هناك لم تكن تسعة أشهر كافية لأتدرب على شيءٍ آهٍ يا أمي ما أقسى حبك! مازلتُ هناك أحاول ألا أقترب من امرأةٍ كيلا أتذكر تلك الليلة التي طردتني أمي أموت في جسدي منذ...
إلهك هذا ترى أم إله القلوب التي ذبح الفقر أحلامها إله الجميع ترى أم إله البنات؟! دعيه دعيه هناك يعيش لوحدته مثقلا بالأنا دعيه وراء الخيال يعيش التوحد منكفئا خائفا يرمم سلطاته بانتظار انتهاء الحياة. معي كل يوم إلهٌ جديدٌ ليومٍ جديد. إلهٌ بلا اسمٍ وليس يعدد أسماءه لا يجيد التنكر لا يلبس الكلمات...
أنا الذي خاف من معنى أنا وأنا وخاف من كلماتٍ عاشها زمنا أنا الذي مات معنىً حينما وقفت به المسافة خلف الذكريات هنا وتلك ما تلك إلا فكرةٌ نشزت لكي أعيش بقيد الشوق مرتهنا غيري من الناس يخشى غيرَه وأنا، أخشى غباء إلهٍ داخلي سُجنا يا أنت يا كل وهمٍ كنتُ أرقبُهُ مازال عطرك يذكي في دمي الشجنا لا تتركي...
كما تتكدس أحلام السمكة في علبة سردين يتكدس حبك في جسدي ويقتل مسافة الحلم كلنا يشكو من وجع المسافات الليل وهو يبحث عن حدود والهواء وهو يفتش عن جدران ليسند تعبه والضوء وهو يبحث عن سطحٍ يُغيّر اتجاهه إلى ما بعد نفسه. الصدى وهو يخاف من التردد الحب وهو يتأمل في قعر المعنى العطر وهو يسعى لنهايةٍ سعيدة...

هذا الملف

نصوص
130
آخر تحديث
أعلى