مهند الجرباني - في الخامسةِ من عُمري...

في الخامسةِ من عُمري،
أعطتني أُمِّي قلماً وأوراقاً،
ألواناً كثيرةً وفرشاةً جميلة،
وقالت:
"ستكونُ فنّاناً"،
وهكذا
بدأتُ أَرسُمُ خُبزاً لِكُلِّ الجائعين،
سماءً للطيورِ خلفَ القُضبان،
ألعاباً ليوسف وماريّا وحسن،
وبيتاً كبيراً لِأُمِّي الّتي أتعبتها الخِلافاتُ مع والدي..
حقّاً كُنتُ أصنعُ عالماً أجمل،
ولكن
لم يُعجبِ الرَّبُّ ذلك؛
فَسَلَبَ أعصابي،
وتركني بيدينِ صغيرتينِ مُرتَجِفَتَين،
أُعَبِّئُ قلبي بضحكاتِ أصدقائي وسُخرِيَّاتِهِم
بدلاً من أغاني "أوليڤر تويست".

في العاشرةِ من عُمري،
وجدتُ ناياً خشبياً صغيراً بجانبِ الباب،
ظَنَنْتُ بِأَنَّهُ تعويضٌ من اللَّهِ على أصابعيَ الجميلة،
بقيتُ أَنفُخُ فيهِ وأَنفُخُ
والألعابُ والوسائدُ
حتّى النّوافذُ والأبوابُ كَانَتْ تُصَفِّقُ وتدوخ!
ظَنَنتُنِي لِوَهلَةٍ هديراً لـ"زامفير"،
ولَكِنِّي لم أَكُنْ إِلَّا بُقعَةَ زَيتٍ كبيرة..

أوقفني "الرّبو"،
خَنَقَنِي الرَّب.

في السابعة عشرة من عُمري،
أمسكتني صديقتي من يديّ وسحبتني أسفلَ الدَّرَج،
أَرَتْنِي دواخلَ رُكبتيها،
زواياها وحوافّها،
وقالت:
"لأجلي ستُصبحُ شاعراً"؛
ومُنذُ ذلك اليوم
وأنا أكتبُ أجملَ القصائد،
حتّى " نيل هيلبورن" لن يَكتُبَ مثلها!
كُنتُ أَظُنُّنِي أطيرُ كسحابةٍ سماويّةٍ للأبد،
ولَكِنَّنِي سقطت!

الصديقةُ التي أَحَبَّتنِي وأَحبَبْتُهَا،
أخذها الرَّب.

قريباً
سأُصبحُ في العشرينَ من عمري،
لن يُمسكني أحدٌ ولن يُحبّني،
ولن يتذكّرَ أحدٌ لوحاتي،
ولا قصائدي وأغانيّ،
فقط سأكونُ وحيداً وفارغاً
كَدُميَةٍ قُطنِيَّةٍ في كتابٍ ماتَ صاحبُه،
وسَأُجَرِّبُ لُعبَةَ الحَبلِ لأولِ مَرَّة،
أتمنى بِأَلَّا يَتَدَخَّلَ الرَّبُّ هَذِهِ المَرَّة،
أتمنى بِأَلَّا أفشل.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى